عــن برغـــــــوث و أسامي أخرى

شجـرهن ايفـوّح تفـافيـح ….. اينوّض طريح الوسادة ……… يا زيـن وديـان هلنــا …. المشــي فيهن عبادة

بـــرغوث: يقال أنه اسم الجد الأكبر لقبيلة البراغثة التي تقطن أسفل وادي بن وليد، وهي إحدى قبائل ورفلّة المغمورة. أعني بمغمورة أن عددا قليلاً من أفرادها يستعملون لقب البرغوثي أما الأغلبية ممن يقطنون خارج بن وليد فيفضـّلون عليه، لسبب لا أعلمه، لقب القبيلة الأكبر…الورفلّي…لذلك هناك من يستغرب عندما يعلم بوجود لقب البرغوثي في ليبيا.  بناءا على الموروث الشفاهي غير المؤكد فإن قبيلة البراغثة البرقاوية وقبيلة البراغثة الطرابلسية تعودان لإصل واحد، وأن خلافا ما دبّ بين أفرادها في يوم ’ما طلعتش فيه شمس‘ أدى إلى انشقاق احد فروع تلك القبيلة الذي ’حلف بالطلاق ماعاد يقعد في الوطن‘ وقرر الرحيل إلى ’وين ماعاد يلقوه‘. الأرجح أن الفرع الذي هجّ هو الذي غرّب نحو طرابلس وكان ينوي الوصول إلى ’سابع بحر‘ ولكنه صادف وادي بن وليد المخضـّب آنذاك بغيطان البطـّوم والطلح والنخيل الذي ذكـّره بالكويفية، ووجد عنده قوم طيـّبي المعشر فقرر البقاء في تلك البقعة ’لين ايطيب مافي خاطره‘. وبما أننا قوم لاننسى الإساءة وأن الموجعة في القلب ’تقعد ديما‘ فمازال مافي خاطر القوم ’ماطابش‘ بل طاب لهم المقام بين تلك الأطلال والصخور التي آل إليها حال الوادي اليوم. من يعتقد بوحدة الأصل، الذي أشك أنا في وحدته، يستند إلى تطابق ما يعرف ب “السيما” التي تستخدمها القبيلتان لختم أموالها الماشية من إبل وضان ودواب أخري…كذلك الحال مع قبيلة البدور البرقاوية والبدور الورفلـّية. حجـّتي في نكران وحدة الأصل أن أسماء العرب كثيرا ماتتشابه ويسود اسم معين مهما كان اسما غريبا مثل برغوث وخربوط و زعطوط وغيرها. هناك مثلا قبيلة البراغثة في الأردن ويطلق على من ينتمي لهذه القبيلة أو العائلة ’فلان البراغثة‘ وهناك عائلة البرغوثي أو البرغوتي في فلسطين بالإضافة إلى عائلة برغوث.

المنتمي لقبيلة البراغثة البرقاوية يسمي برغثي بينما من ينتمي لقبيلة البراغثة الطرابلسية )الوليدية) يسمى برغوثي او برغوتي باعتبار أن ليس هناك حرف ثاء في اللسان الطرابلسي المبين… البراغتة الطرابلسيين قوم اشتهروا بروح الدعابة والسخرية اللاذعة حتى من انفسهم وأشياءهم كما كان يفعل أبودلامة. من بيوتات البراغتة التي ارتبطت بالسخرية بيت ’الطهامشة‘ ومفرده ’اطهيميش‘ وعماده هو الشيخ أمحمـّد بن مفتـاح البرغوتي. وثمة كثيرا من الطرائف و النوادر التي تروى عن البراغتة غير أن نفر من الطهامشة حذرني من نشرها، واللي خاف اسلم على حد تعبير جماهير الشعب الخايفة.

نعود إلى ظاهرة تشابه الأسماء، وهذا التشابه ليس دليلا كافيا على وحدة الأصل، فكثير من أسماء العائلات في طول وعرض الوطن العربي انحدرت من مهنة الجد المؤسس لتلك العائلة. بطبيعة الحال كان الابن يرث الصنعة والحرفة من الوالد وهكذا تتخصص عائلة بكاملها في امتهان حرفة معينة وبالتالي تسمى العائلة بأسم الحرفة مثل الحدّاد والبنـّاء ’البنـّا‘ والفرّاء ’الفرّا‘ والسقـّاء ’السقـّا‘ والحلواني والكنفاني والجواهري والجوهري…وهلم جرا. وحدة المصطلح هي من توحد هذه العائلات فمثلا في ليبيا هناك اسم الحدّاد وفي هذا يتفق الليبيون مع باقي العرب في تسمية هذه المهنة لكن هل يعني ذلك أن قبيلة الحداد في ليبيا هم أبناء عمومة مع عائلة الحداد في لبنان وسوريا وهي عائلات منها المسلمة ومنها المسيحية؟ الإجابة لا…حتى يظهر ما يثبت العكس. ليس هناك في ليبيا مثلا لقب البنّاي على حد علمي المتواضع نظرا لإن عملية بناء البيوت في مدن وقرى ليبيا كانت تتم عن طريق الرغاّطة، من خلال فريق (DIY). حيث يقوم كل افراد القبيلة أو العائلة أو الحي بالاحتشاد والتطوع  لبناء بيت لأحدهم ويتعاونون في ذلك إلى أن يكتمل البيت… لاأعني البيوت الحديثة بالتأكيد فتلك احتاجت بنائين من برا ليبيا… غير أن لقب السطا ’الأسطى‘ ارتبط بمهنة البناء على وجه الخصوص فيقولون اسطا بنـّاي، وهناك عائلة السطا بأحد بيوتات قبيلة لعطيـّات في ورفلّة. السقـّاء يقابلة بالليبي الورّاد وقد انحدرت عائلة الورّاد من اسم اطلق على الجد الذي كان يسقي الحي بوروده اليومي منبع الماء ومن ثم توزيعه على البيوت مقابل ملاليم. لوكانت كلمة سقـّاء هي السائدة لأدعينا وصلا ببيت السقـّا في مصر وهكذا الحال مع كلمة صايغ وساعاتي وجواهرجي.

هل نتوقع وجود عائلة الحوّات في أي مكان غير المغرب العربي…فهم فقط من يطلق على السمك حوت ومن يعمل في صيد السمك في ليبيا يسمى حوّات ومن هنا انحدرت عائلة الحوّات، أما مهنة الصيد فتطلق لدينا فقط على صيد البر… ليس على صيد البحر.  لن نجد في المشرق العربي مثلا لقب السنفاز لإنهم لايطلقون على الفطيرة التي نسميها اسفنز هذا الأسم…وإن وجد فلا شك أنه ينحدر من أحد المهاجرين من المغرب العربي: لدينا سنفاز ولديهم حلواني وبغاشاتي. مثال آخر نستنبطه من شيوع اسم عبدالله في كل المنطقة وبالنتيجة شيوع لقب العبدلي في مشرق الوطن العربي ومغربه. وهكذا الحال مع انتشار اسم عمر ينتشر لقب العمري وعامر (العامري) وعمـّار (العمـاري). ولكن من رابع المستحيلات أن يكون هناك أدنى علاقة بين العمامرة أو بني عمـّار مع قبائل برقة، وخاصة قبائل الجبل الأخضر لإنك لو تجرأت ونطقت بكلمة عمـّار أو معمـّر ستعتبر وقح وقليل تربية لإنك نطقت عيبا. هاتان الكلمتان تؤذيان اينما أذي الأذن الجبل أخضرية وربما البرقاوية بشكل عام، لإنها من الكلمات النابية ومن العيب التفوّه بها. وقد قيل لي أن التلفزيون الليبي بثّ في عام  1970 حوارا دار بين العقيد معمر القذافي وأحد وجهاء تلك القبائل، في لقاء ضم عدد كبير من الناس، ربما كانت ندوة الفكر الثوري، في ذلك اللقاء، طلب ذلك الشيخ الجليل من العقيد- محلـّفا أياه بالنبي- أن يغيّر اسمه إلى عمر “والنبي يا لخّ العقيد إن ما فكـّيتنا من هالاسم”. مازال افراد هذه القبائل يتجنبون لفظ الأسم وعندما يتحدثون عن العقيد معمر القذافي يقولون العقيد أو القذافي أو القائد. غير أن غرب ليبيا يزخر باسم معمـّر وعمـّار حتى قبل مجيئ العقيد. كان الناس يتبرّكون بمن يسمونهم رجال الله أو المرابطين (الأولياء) ويسمـّون عليهم ابناءهم للحماية والتحصين وتيمـّنا بطول العمر، ومن بين هؤلاء المرابطين سيدي معمـّر وعائلات كثيرة اطلقت اسم هذا المرابط على ابنائها.  من الطرائف التي صادفتني في أول سنة في الجامعة معرفتي أن نسبة غير بسيطة ممن ينتمون لقبائل شرق ليبيا لاتعلم مدى شعبية اسم معمّر في غرب ليبيا حتى قبل مجئ العقيد للسلطة. في عام 1982 كان أحد اساتذتي الأفاضل بكلية الأقتصاد يسجل الحضور في أول محاضرات الفصل، وأثناء تلاوته لإسماء الطلبة عثر على اسم معمـّر فما كان منه إلا أن سأل الطالب بكل عفوية وبراءة (أنت من مواليد سنة كم؟) وضج المدرّج بالضحك. كان استاذي – وهو من قبيلة برقاوية – يعتقد أن الناس بدت تطلق اسم معمـّر على أبنائها فقط من عام 69 وتعال جاي.

الله يذكرك بالخير يادكتور ع.ع